24/02/2024 - 20:32

حوار | سامي أبو شحادة: إسرائيل تعاملت معنا كعدو والوضع لن يعود إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر تلقائيا

سامي أبو شحادة يشدد على أن الأولوية في المرحلة القادمة ستكون لـ"توسيع هامش العمل السياسي والنضال من أجل حرية التعبير"، وكشف عن توجه في التجمع لمراجعة البيان والبرنامج السياسي، وبناء برنامج يتلاءم مع المتغيرات.

حوار | سامي أبو شحادة: إسرائيل تعاملت معنا كعدو والوضع لن يعود إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر تلقائيا

مظاهرة ضد سياسات حكومة نتنياهو في الناصرة (أرشيفية - Getty Images)

أشارت ورقة تقدير موقف أصدرها مركز مدى الكرمل للأبحاث، إلى أن إسرائيل استغلت حالة الحرب لتعطيل شبه تامّ للأدوات الديمقراطيّة الشكليّة المستعمَلة في إسرائيل، منها حرّيّة التعبير عن الرأي والحقّ في التظاهر ومعارضة الحرب، وذلك إلى جانب تصعيد خطير في تعامل الدولة والمؤسَّسات الأمنيّة والمجتمع الإسرائيليّ تجاه المواطنين الفلسطينيّين، منوهة إلى ازدياد الهجمات والقمع كنوع من أنواع الانتقام تجاه كلّ مَن هو فلسطينيّ، ومحاولة لوضع قواعد سلوك سياسيّ مختلفة للمواطنين الفلسطينيّين يحدّدها الإجماع الصهيونيّ.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

ووصفت الورقة ما يحدث بما يشبه عودة غير معلَنة إلى الحكم العسكريّ، واستغلال حالة الصدمة والحرب والأزمات الناجمة عنهما، لمحو الهامش السياسيّ الذي استخدمه الفلسطينيّون في إسرائيل، وفرض حدود جديدة للتعبير والعمل السياسيّ.

وحذر المركز من أن تتحوّل الإجراءات الإسرائيليّة الحاليّة تجاه المواطنين الفلسطينيّين إلى حالة ثابتة بعد الحرب، إذا اقتنع الإجماع الصهيونيّ بأنّها تعمل لصالحه ولا تؤدّي إلى ردّ فعل أو تجبي ثمنًا سياسيًّا.

حول هذا الموضوع ومستقبل العمل السياسي للفلسطينيين في إسرائيل بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والحرب المتواصلة منذ 141 يوما على غزة، أجرينا هذا الحوار مع رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، سامي أبو شحادة.

"عرب 48": بعد نحو خمسة أشهر على الحرب لم يتغير شيء من الأنظمة والإجراءات التي أتت بالكامل على الهامش الديمقراطي الذي شكل متنفسا للعمل السياسي والحريات العامة وعلى رأسها حرية التعبير والحق في التظاهر وحرية العبادة وغيرها، ويبدو أن عودة الوضع إلى ما كان عليه لن يحدث من تلقاء نفسه، في ظل حكومة يمينية متطرفة ووزير شرطة يضع مسألة التضييق على العرب والتنكيل بهم في رأس أولوياته، وهو ما تبدّى واضحا في القرار الأخير المتمثل بمنع الصلاة في الأقصى خلال شهر رمضان...

أبو شحادة: لم يكن الفلسطينيون منذ النكبة عاملا مركزيا مؤثرا في الخارطة السياسية في إسرائيل، وذلك بسبب عنصرية المشروع الصهيوني والبنى العنصرية القائمة المتمثلة بيهودية الدولة بكل أماكن اتخاذ القرارات الهامة، من وزارات أو سلطات أو أي جهة رسمية يتم فيها تخطيط حاضر ومستقبل البلاد والمجتمع، فنحن على هامش كل ذلك وفي غالب الأحيان غير موجودين تماما.

سامي أبو شحادة

ومن الجدير التنويه إلى أنه قبل الحرب وخلال الحرب كان هناك حدثان إستراتيجيان، الأول: كل ما كان يجري الحديث عنه حول "الإصلاح القضائي" من احتجاجات ومظاهرات وأنشطة، وهؤلاء كانوا من المعارضة وبالرغم من ذلك طالبوا بشكل واضح عدم وجود العرب معهم في هذا النضال لأن البنية العنصرية لا تريد العرب في نقاش حول هوية ودور المجتمع والدولة، بمعنى أنه في أمر أساسي مهم يتعلق بماهية الدولة والمجتمع في إسرائيل رفضت المعارضة وجود العرب.

الأمر الثاني أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عندما أعلن قرار الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلن الحرب على أربع جبهات هي: غزة والضفة وجنوب لبنان وعلينا نحن الفلسطينيون في إسرائيل؛ أي أن إسرائيل أعلنت الحرب علينا.

هذا يعني أنه عمليا في الحدثين الكبيرين سياسيا، الحدث الداخلي، قررت المعارضة أننا يجب أن نكون خارج النقاش حول هوية الدولة والديمقراطية، وفي قرار السلم والحرب، رئيس الائتلاف ورئيس الحكومة رأى فينا أعداء.

والقضية لم تقتصر على وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذي استغل ذلك، بل أن نتنياهو تعامل معنا كأعداء منذ بداية العدوان على غزة، كما أن الإعلام الإسرائيلي الرسمي شملنا بتحريضه على الفلسطينيين أينما كانوا، وخصص مساحات واسعة للتحرض علينا بشكل خاص، هذا ناهيك عن التحريض الذي زخرت به منصات التواصل الاجتماعي.

المجتمع الإسرائيلي ككل أيضا أعلن الحرب على الفلسطينيين في الداخل، ورأينا ذلك في التعامل مع العمال العرب في أماكن العمل إن كان في المعاملة المهينة أو في الفصل من العمل، ورأينا ذلك في التعامل مع الطلاب العرب في الجامعات والكليات؛ في محاكم الطاعة، وقرارات الفصل من التعليم، ورأينا ذلك في المستشفيات وغيرها من المرافق، ولمسنا ذلك بالاعتداءات المباشرة على العرب في الشارع والمواصلات العامة والأماكن العمومية.

لقد كان هناك إجماع صهيوني شامل في التحريض والعداء للعرب والفلسطينيين وتقديراتنا كانت تقول إنه إذا نجح التهجير في غزة، فإن إمكانية انتقاله إلى أماكن أخرى بما فيها منطقة 48 إمكانية واردة.

"عرب 48": لكن وجود بن غفير كوزير شرطة، في موقع من يقرر منح أو منع تصريح بإجراء مظاهرة واعتقال المتظاهرين، واعتقال كل من يبدي رأيا ضد الحرب أو تعاطفا مع غزة على الفيسبوك، لا شك أنه ساهم في فرض حالة من الترهيب.

أبو شحادة: أكيد، خاصة وأنه يتحدث في برنامجه عن الترانسفير والتهجير ويتحدث عن الفلسطينيين في الداخل كأعداء وأن الحل يجب أن يكون بعنف كبير جدا، كما يتحدث هو ووزير المالية، بتسلئيل سموترتش، في برنامجهما المشترك، عن فرض برنامجهم السياسي على العالم العربي من خلال الحرب الشاملة.

وعلى أرض الواقع، عدا عن كونه وزير شرطة يمتلك من الصلاحيات ما ذكرت وجاءته الفرصة لاستغلالها حتى النهاية بدافع الانتقام من العرب، فهو يمتلك ميليشيات مسلحة أيضا ونحن نعرف أنه بعد ‘هبة الكرامة‘ وعدوان المستوطنين على الأهل في المدن المختلطة (في أيار/ مايو 2021)، بدأ مباشرة بتسليح المستوطنين، حيث وزع عشرات آلاف قطع السلاح لأناس متطرفين يحملون فكره ومن الممكن أن يفتحوا النار على أي مواطن عربي بدون أي سبب، خاصة وأن هناك منظومة كاملة توفر لهم الدعم وتضمن عدم تقديم أي منهم للمحاكمة.

"عرب 48": هذا عدا جمعيات اليمين المتخصصة بالنبش والتفتيش ومتابعة الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي؟

أبو شحادة: هم لم يخصصوا لنا جيشا لمحاربتنا على غرار أهلنا في قطاع غزة، لكن المجتمع بمؤسساته وجمعياته المتطرفة وبن غفير وشرطته وميليشياته وغيره العديد من الساسة وجنرالات الإعلام، تعاملوا معنا كعدو، كما أن الدولة أصبحت تملكها ميليشيات اليمين المتطرف ولا توجد سيادة للقانون.

"عرب 48":حتى القضاء وعلى رأسه المحكمة العليا، التي تغنى بها البعض، استقامت مع هذا التوجه الذي قاده بن غفير؟

أبو شحادة: القضاة في إسرائيل عادوا إلى ممارسة دورهم العسكري، ولم يتصرفوا كرجال قانون، وهذا تبدى في الأحكام المتعلقة بقضايا التعبير عن الرأي وفي رد الالتماسات المتعلقة بالحق في التظاهر وغيرها من القضايا ذات الصلة.

"عرب 48": ألا تعتقد أن الأحداث داهمتنا غير جاهزين على مستوى أحزاب وقيادة سياسية؟

أبو شحادة: يحب أن ندرك أن المجتمع الفلسطيني في الداخل مرتبط بكل مجالات الحياة، بالدولة ومؤسساتها، اقتصاديا، خدماتيا وصحيا، وفي كل شيء. إنه ليس مجتمعا لديه مؤسساته الوطنية المستقلة ولذلك هو لا يستطيع أن يتخذ خطوات عملية مؤثرة.

طبعا، هذا دورنا كقيادات سياسية، ونحن نريد تنظيم مجتمعنا على أساس قومي ونريد أن يكون لنا استقلالية ونوعا من الحكم الذاتي الثقافي في مجال التربية والتعليم ونريد مؤسسات تحمي المجتمع، وأن لا يقتصر عملنا على الارتجال وردات الفعل؛ ومع كل التقدير للعمل التطوعي، ولكن مجتمعا حديثا يجب أن يكون جاهزا لأي حالة طوارئ، حرب أو غيرها، لخدمة وحماية جمهوره، وبهذا المعنى فنحن بالفعل لم نكن جاهزين.

"عرب 48": أقصد أن القيادة تلكأت في بداية الحرب...

أبو شحادة: كان نوعا من الخوف. خوف على أهلنا وناسنا، الشرطة كانت تعلن بكل وقاحة وبشكل غير مسبوق أن الأوامر التي بحوزتها تقضي باستعمال الرصاص الحي ضد المتظاهرين، ونحن من جهتنا رأينا أن دورنا في هذه المرحلة هو حماية شبابنا وحماية مجتمعنا.

"عرب 48":ربما كان خوفا زائدا أو غير مبرر؟

أبو شحادة: اليوم رغم ابتعادنا زمنيا بعض الشيء عن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أن هذه الأجواء ما زالت تسيطر على جهاز الشرطة والمجتمع الإسرائيلي، فتخيل كيف كانت الحالة في العاشر والعشرين والثلاثين من أكتوبر.

أنا شخصيا تعرضت لاعتداءات في الشارع داخل بلدي يافا، اعتداءات لفظية ومحاولات اعتداء جسدي دون سبب يذكر، الأجواء كانت محتقنة والشعور بعدم الأمان كان يرافق كل عربي في الشارع وحتى في أماكن العمل والتعليم.

"عرب 48": الآن نتحدث عن تخوف من إدامة هذا الوضع، الذي يفترض أن ينتهي مع انتهاء الحرب، بكل ما يعنيه من مصادرة للهامش الديمقراطي وحق العمل السياسي، اذا استمر صمتنا...

أبو شحادة: اتفق معك، أولا إن أي منظومة سياسية تعتاد على حالة القمع والاضطهاد وتصبح هذه الحالة هي الحالة الطبيعية ويتم استعمال العنف في حال الخروج عنها. وأي نظام قابل أن يتدهور بسهولة نحو هذا المنزلق، ولذلك فإن توسيع هامش العمل السياسي والنضال من أجل حرية التعبير هي من مهماتنا في المرحلة القادمة.

نحن في التجمع بدأنا قبل أسبوع بحملة مركزة تطالب بوقف الحرب وجرائم الإبادة ضد أبناء شعبنا في قطاع غزة، الحملة بدأت على مواقع التواصل الاجتماعي في إطار مشروع تدريجي لكسر حاجز الخوف والصمت، وسنتقدم خطوة بعد أخرى نحو العمل الميداني.

كنا قد بدأنا سابقا بزيارات ميدانية في قرانا ومدننا شملت لقاءات بيتية وندوات سياسية عامة، بهدف تهيئة الأرضية التنظيمية للخروج من حالة الركود وتنشيط وتحريك العمل السياسي.

"عرب 48": ماذا بشأن التنسيق مع الأطراف الأخرى وإنشاء تحالفات لمواجهة تحديات المرحلة؟

أبو شحادة: نحن نتقدم بمسارين، فقد كان قرار داخل مؤسسات التجمع بضرورة العمل بشكل موحد من خلال لجنة المتابعة وما زلنا نسير في هذا المسار؛ في حين نعمل وكجزء من عملية الاستعداد لمؤتمر التجمع على مراجعة البيان والبرنامج السياسي وأمور كثيرة أخرى؛ وقمنا في هذا الإطار بتنظيم لقاءات مع مجموعات مثقفين وناشطين من التجمع وخارجه، لدراسة الوضع الجديد وبناء برنامج يتلاءم مع المتغيرات.

الخطوة الثانية ستأتي بعد مراجعة وتحليل البرنامج السياسي حيث سنحاول مناقشته مع أطراف الساحة السياسية، وكنا قد بدأنا مثل هذه الحوارات، لكن من أجل أن تثمر مثل هذه اللقاءات، يجب أن نأتي مع برنامج سياسي واضح ومتكامل.

"عرب 48": أنا أقصد التنسيق على المستوى الثنائي مع الأحزاب الأخرى، لأننا عندما نتحدث عن المتابعة نتحدث عن سقف ولكنا نعرف أين تطبخ الأمور...

أبو شحادة: لجنة المتابعة هي مظلة للأطر السياسية الفاعلة وغير الفاعلة، ولذلك العمل من خلالها مهم ومفضل.

"عرب 48":سمعنا عن توجهات من الجبهة، بينها دعوة لحوار وطني وجهها النائب السابق في الكنيست، يوسف جبارين، في مقابلة أجريناها معه في "عرب 48"؟

أبو شحادة: نعم، هناك توجهات من الجبهة رسمية وغير رسمية، ونحن من خلال المتابعة نظمنا بعض الفعاليات المشتركة مع الجبهة، لأن هناك أمورا فوق حزبية على المستوى الوطني ونحن في حالة حرب لذلك تعاملنا بمسؤولية كاملة مع الجميع.

"عرب 48": الحديث أن مستقبل العمل السياسي بين جماهيرنا موجود على المحك...

أبو شحادة: طبعا هناك حاجة لعمل جماعي، والجبهة كانت قد توجهت إلينا قبل الحرب والموقف في التجمع كان واضحا، أن المؤامرة التي جرت على التجمع ليلة تقديم القوائم لانتخابات الكنيست الفائتة، نحن نريد أن نتجاوزها، ولكن من أجل ذلك نتوقع أن يتحمل أحد المسؤولية بالحد الأدنى، ويوضح لنا وللناس ما جرى ولماذا تم التآمر على التجمع.

نحن نريد أن نعود لنضع أيدينا بأيدي بعضنا البعض، ولكن إعادة بناء الثقة تتطلب تقييم ما جرى وضمان ألا يتكرر؛ وفي حال تحقق ذلك نحن مستعدون لتجاوز الأمر والعودة للعمل المشترك لما تقتضيه المصلحة الوطنية وتحديات المرحلة.

التعليقات